ان نقدنا للحركة الإسلامية هو نقد لحركة سياسية بشرية وليس نقدا لدين الإسلام المقدس.وهذا الفصل الهام هو الذي نرغب فيه من خلال نقاشاتنا. فلا مشكل لنا مع اعضاء الحزب الذي يسمون انفسهم اسلاميين ولسنا ضد اعتلاءهم المناصب او حيازتهم السلطة, بل اننا ضد توظيفهم الدين للفوز في سباق السياسة البشري. فمن سيتحدث مثلا مع بنكيران لو كان زعيم حزب سياسي يقدم قراءته البشرية للوضع السياسي, قراءة تستند على العلم او السفسطة او الخطابة او الدجل. فلا احد سينزعج حينها وستكون المنافسة حول التحليل و الخطابة و النقاش.

كل هذه المهارات هي مهارات بشرية يمكن لأي واحد ان يتمرن عليها او يطور كفايته فيها. لكن ان يقدم نفسه كخليفة للأنبياء والصالحين ويضفي على خطابه السياسي صفة القداسة ويجعل من عمله السياسي رسالة ربانية بدل اعتباره سباقا على الحكم وطموحا مشروعا فحينها يصبح التنافس السياسي تنافسا غير متكافئ.

ان الأنبياء والرسل والصالحين و الأولياء كيفما كانت رسالتهم او دينهم فهم مرسلون ومكلفون بهداية الإنسان وهداية روحه الى الطريق الرشيد –في نظرهم- وايصال الإنسان الى حالة الطمأنينة و السكينة و السعادة المطلقة. وفي هذا المجال قد يتنافس النبي مع الفنان او المرشد النفسي لكونهم يهتمون بنفس الموضوع, ألا وهو النفس الإنسانية. فالفنان يسعى الى اثارة المشاعر الإنسانية وايقاظ مشاعر السعادة والجمال في الإنسان عبر اعماله الفنية من مسرح وموسيقى ورسم الى اخره ويعتمد في عمله هذا على موهبته او مكبوتاته باعتبار الفن تعبيرا عن مكبوتاتنا اللاشعورية كما يقول فرويد. اما المرشد النفسي فانه يعتمد على نظرياته العلمية وتجاربه المخبرية في تحليل النفس الإنسانية باعتبارها موضوعا للدراسة ويقدم الوصفة اللازمة للمريض من اجل تجاوز صعوباته النفسية ومشاكله العاطفية. ويعتمد النبي او الرسول او الولي الصالح الى هداية النفس البشرية عن طريق الايمان بوجود حياة اخروية مليئة بالسعادة وان الدنيا التي نعيشها ماهي إلا دار ابتلاء وعلى المؤمن ان يتحلى بالصبر و الشكر فيصبر على كل ما يعذبه ويكدر صفو حياته ويشكر الله على كل عطاياه وبذلك يصل الى حالة الطمأنينة والسعادة بان يوكل امره لله بشكل مطلق ويستسلم لمشيئته تعالى دون اعتراض او شكوى.

اذن فالدين يدخل في مجال الحياة الشخصية للفرد ويرتبط اساسا بنفسيته وسعادة او كآبته ولا شأن للدين بالحياة العامة لكونها مبنية على التعاقد لا على الإستسلام او الإيمان او التسليم. فالتعاقد يتـأسس على مفهومين مركزيين وهما المسؤولية و الحرية, فالإنسان العبد غير قادر على التعاقد او الإختيار او الإتفاق لكونه لا يملك زمام امره بيده اما الإنسان الغير مسؤول فهو غير قادر على التعاقد لكونه غير قادر على الإلتزام. وبهذا فالحياة العامة التي تجعلنا مجبرين على تحمل بعضنا من اجل عيش مشترك خال من الصدامات ومليئ بتبادل المصالح من اجل القدرة على العيش باعتبار الانسان حيوان مدني كما وصفه ارسطو. وبهذا فعالم السياسة هو عالم تعاقدي بشري يخضع لتوافقاتنا الذاتية القائمة على مصالحنا المشتركة. فحين كان امتلاك العبيد مصلحة مشتركة لكونهم يقومون بالاشغال الشاقة ويوفرون المال الكثير فان البشرية تعاقدت على امتلاك العبيد و التجارة فيهم لكونهم يوفرون مصالح الأسياد او الطبقة المالكة. اما حين اخترع الإنسان الآلة و طور من صناعته فقد بدى له ان امتلاك العامل افضل له ولمصالحه فتعاقد حينها على تحرير العبيد واستعمال العمال. وفي وقتنا هذا حيث المصالح وفرتها الالات فقد سطر الاسياد البيض على اتفاقية حقوق الانسان التي تمنع العبودية وتعاقدوا على ذلك فتركوا السود في قارتهم يقتتلون لكون ذلك كله يخدم مصالحهم وذلك تعاقدوا عليها.

اذن فالسياسة  علم تعاقدي يبتغي تحقيق مصلحة معينة وليست بلسما جميلا او الية فضلى لتحقيق الجنة او الوصول الى العدالة. فكل ذلك ما هو إلا كذب جميل يستخدم للضحك على الذقون. وبهذا فواجبنا كمغاربة يتجلى في التفكير في طبيعة تعاقدات تجعلنا في مصاف الأسياد بدل المكوث في نقاشات تتركنا دائما في خانة العبيد

استاذ فلسفة