خوصصة التعليم هجوم على الطبقة الوسطى
خوصصة المدرسة العمومية، أو خصخصتها، معناه: تلقي خدمة التعليم بمقابل، أي أن المدرسة العمومية تتحول إلى سوق لبيع لخدمة التعليم، التي تختلف قيمتها، من مؤسسة إلى أخرى، نظرا لجودة الأداء، أو لعدم جودته، أو كونه بين، بين.
آراء أخرى
والمدرسة العمومية، عندما تصير مخوصصة، فإن ذلك يعني شيئا واحدا: وهو إقبار العلاقة القائمة بين الشعب، وبين أي فرد من أفراد المجتمع. تلك العلاقة التي كانت قائمة، على أساس تلقي خدمات التعليم، والصحة، وغيرها بالمجان، خاصة، وأن الشعب كان، ولا زال يؤدي الضرائب، التي كانت مبررة بتقديم الخدمات المجانية، إلى أبناء، وبنات الشعب المغربي.
والآن، وبعد أن تقرر خوصصة المدرسة العمومية، على الحكومة التي يقودها حزب إسلامي، وفي ظل دولة إسلامية، ولم يتم إعفاء الشعب من الضرائب، التي كان يؤديها، والتي لا زالت تؤدى، إلى مالا نهاية، حتى ولو صار كل ما في هذه الحياة، بما فيها الهواء الذي نستنشقه، مخوصصا.
وعندما يتعلق الأمر بخوصصة التعليم، من الآن، فإن المقصود ليس هو العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، لأن هؤلاء لا يتبقى لهم من أجورهم ما يؤدون به قيمة التدريس، في المدرسة العمومية المخوصصة، خاصة، وأن الشعار الرجعي المتخلف: (كم من حاجة قضيناها بتركها)، كاف ليخرجوا جميع بناتهم، وأبنائهم، من المدرسة التي أصبحت مخوصصة، وليستبد الأثرياء بالتعليم، والصحة، والسكن اللائق، وكل عوامل التقدم، والتطور المادي. بل إن الغرض من خوصصة التعليم، هو الهجوم على مداخيل الطبقة الوسطى من المجتمع، فهي التي تدرك أهمية تعليم البنات، والأبناء، في إعادة إنتاج الطبقة الوسطى، وفي جعل هذه الطبقة تسعى، وبكل الوسائل المشروعة، وغير المشروعة، في تحقيق التطلعات الطبقية، كهاجس يومي، ولحظي، يحكم هذه الطبقة، التي لا تجد ذاتها إلا في حصول تراكم على مستوى الثروات، التي تصير في ملكية كل فرد، ينتمي إلى نفس الطبقة.
فالطبقة الوسطى، إذن، هي المستهدفة بخوصصة التعليم، كما أنها هي المستهدفة بخوصصة الصحة، وأي مرفق عمومي آخر؛ لأنها هي التي تحمل شيئا من الوعي، تجاه عمومية الخدمة المجانية في التعليم، والصحة، وهي التي تسعى إلى جعل التعليم وسيلة التسلق الطبقي. وإذا كانت الطبقة الوسطى هي المستفيد الأول من التعليم العمومي، المجاني، لصالح بناتها، وأبنائها، فإنها هي التي سوف تستفيد من خوصصة المدرسة العمومية، كما كانت هي المستفيد بالدرجة الأولى، من شراء الدروس الخصوصية من الأساتذة، والأستاذات، العديمي، والعديمات الضمائر، الذين، واللواتي يدرسون، ويدرسن بنات الطبقة الوسطى، وأبناءها في التعليم العمومي المجاني.
وإذا كان العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، لا يستطيعون أداء واجبات المدرسة العمومية، التي صارت مخوصصة، فإن الطبقة الوسطى، لا بد أن تنسحق، بدورها، من الخوصصة، عندما تصير جميع القطاعات مخوصصة؛ لأن مدخولها، كطبقة وسطى، لا يستطيع أداء واجبات تلك القطاعات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
وإذا كان الأمر يقتضي أداء واجبات الخوصصة، الذي يأتي على غالبية الدخل، فإن هذه الطبقة، سوف لا تجد ما تعيش منه، وستصير مبلترة، لا تستطيع الاستمرار على ما كانت علية؛ لأنها:
أولا: قبلت أداء رسومات الحصص الإضافية، التي يقدمها أساتذة، وأستاذات التعليم العمومي للتلاميذ، والتلميذات، خارج أوقات العمل، في بيت الأستاذة، أو الأستاذ، أو في بيوت التلميذات، والتلاميذ، أو في المقاهي، على حساب التلميذات، والتلاميذ، أو في مدرسة خصوصية، بالاتفاق مع صاحبها.
ثانيا: تمرست على أداء واجبات التدريس، على مستوى الحصص الخاصة، بالنسبة لأبنائها، وبناتها في المدرسة العمومية.
ثالثا: قبلت بوجود المدرسة الخصوصية، كبديل للمدرسة العمومية، التي لا بد لها من أداء واجبات حصص الدعم، التي يتلقاها التلاميذ، والتلميذات، خارج الحصص المعتمدة في المدرسة الخصوصية، بعيدا عن الواجبات المؤداة إلى المدرسة الخصوصية.
ومعلوم أن الطبقة الوسطى، يكون مدخولها محددا، قد يزيد قليلا، وقد ينقص تبعا للشروط الموضوعية التي تعيشها الأسر في الطبقة الوسطى، التي يكون مصيرها التبلتر، بسبب كثرة التحملات، وضعف ذات اليد، التي تتأثر، كذلك، بباقي متطلبات الحياة.
فهذه الطبقة الوسطى، التي غالبا ما لا تتفاعل مع الطبقات الأخرى، إلا من باب انتهاز الفرص، من أجل تحقيق التطلعات الطبقية؛ إلا أن هذه التطلعات الطبقية، سوف تعرف: أن بإمكانياتها، أصبحت بعيدة عن التحقيق، لتتوقف في أية لحظة. والتوقف معناه: الدخول في دوامة التبلتر، بسبب ممارسة البورجوازية الكبرى، والتحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، ضد الطبقة الوسطى، في المجتمع المغربي، كما في باقي مجتمعات البلدان، ذات الأنظمة التابعة، التي تركز، في هذه المرحلة، على خوصصة الخدمات، التي تستهدف الطبقة الوسطى بالدرجة الأولى، خاصة، وأن هذه الطبقة الوسطى، تعودت على أداء قيمة الحصص الخصوصية، التي يقدمها أساتذة التعليم العمومي، في كل المواد، دون أن يكون تلاميذهم، وتلميذاتهم في حاجة إليها، ولكن لضمان أمرين أساسيين:
الأمر الأول: أن الأساتذة، يرفعون نقط المراقبة المستمرة، التي يضعونها للتلاميذ، الذين يتلقون حصص الدروس الخصوصية، على أيديهم، بمقابل شهري، يتم الاتفاق عليه بين الأساتذة، وبين الآباء الراغبين في ذلك.
الأمر الثاني: معرفة السؤال، الذي سيطرحه الأستاذ في الامتحان الفصلي، والذي يكون تلاميذ، وتلميذات الحصص الخصوصية، على علم بالجواب، الذي يمكن إدراجه في ورقة الامتحان.
وهذان الأمران، يعتبران أساسيين، من وراء تلقي العديد من التلاميذ الدروس الخصوصية، المؤدى عنها، على يد مدرسيهم، حتى يحظوا بالتميز على مستوى النقط، التي يمنحها الأساتذة لتلاميذهم، ومن أجل أن يطمئنوا على الأسئلة، التي قد تطرح في امتحان فصلي، وعلى مستوى المؤسسة، أو حتى على مستوى جهوي، أو وطني.
والأساتذة الذين يسلكون هذه المسالك، يخربون العملية التربوية التعليمية التعلمية، ويدوسون مبدأ تكافؤ الفرص، ويربون الأجيال على ممارسة الغش، وعلى الفساد، الذي قد يمارسه التلميذ طول حياته؛ لأنه، بذلك، يكون قد تربى على ممارسة الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي. والدولة التي يتم فيها تخريب العملية التربوية التعليمية التعلمية، لا يمكن أن يكون تعليمها جيدا، كما لا يمكن أن يكون التعليم فيها قائما على مبدأ تكافؤ الفرص، كما تعودنا على ذلك في الدول المتقدمة، والمتطورة، التي تحمي تعليمها من كل عوامل الفساد، وتحرص على أن يتلقى جميع التلاميذ نفس الحصص، في نفس المستوى، وتجرى عليهم نفس الاختبارات، أو الامتحانات المحلية، أو الإقليمية، أو الجهوية، أو الوطنية، من أجل فرز المستويات المتقدمة، والمستويات المتخلفة، سعيا إلى جعل التلميذة، أو التلميذ، يتقبل ما هو عليه، ويرضى بالمستوى الذي يستحقه، وينال الدرجة التي تجعله مؤهلا للدراسة في جامعة ما، أو في كلية ما، أو في مدرسة عليا معينة. لا يعرف إلى الفساد طريقا، ولا يمكن أن يفكر في ممارسته.
ذلك، أن مبدأ تكافؤ الفرص، لا يتحقق إلا بدمقرطة التعليم، واحترام قيم النزاهة، والحرية، والتقدم، والتطور، التي تعطي للعملية التربوية التعليمية التعلمية قيمتها، على جميع المستويات، خاصة وأن الأداء الديمقراطي في التعليم، يجعل التلاميذ، والتلميذات، يهتمون / ن بالواقع، كما هو. وإذا كان الأمر يتعلق بمستقبل التعليم، فإن هذا التعليم، لا يمكن أن يضمن مستقبل الشعوب، إلا إذا كان ديمقراطيا شعبيا، والتعليم الديمقراطي الشعبي، هو التعليم الذي توضع برامجه وتعد مدارسه المختلفة المستويات، وتقرر طرق التدريس فيه، بناء على اختيارات ديمقراطية شعبية، قائمة على أساس القطع مع الاختيارات الرأسمالية التبعية، اللا ديمقراطية، واللا شعبية، على مستوى اختيار المؤسسات، التي يحتاج إليها المجتمع، وعلى مستوى إعداد الأستاذات، والأساتذة، وعلى مستوى وضع البرنامج، وعلى مستوى تقرير طرق التدريس، التي يعمل الأساتذة على تفعيلها، أثناء قيامهم بالعملية التربوية التعليمية التعلمية، التي تجعل التلميذات، والتلاميذ، مقبلين على الدروس، وعلى المدرسة بنهم، ويتفاعلون فيما بينهم، ومع الأساتذة، من أجل صناعة مجتمع جديد: متقدم، ومتطور، وساع إلى اعتماد تكافؤ الفرص، لتنظيم الاستحقاقات المختلفة، ولجعل كل متعلم يدرك:
ما هي الحدود التي يقف عندها؟
وإذا كانت خوصصة التعليم، تستهدف المجتمع ككل، إلا أنها تركز على الطبقة الوسطى، التي تعتبر: أن التعليم وسيلة للترقي الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، باعتباره وسيلة لاكتساب التجارب، واختصار تلك التجارب، والاستفادة منها، من أجل جعل الأجيال الصاعدة، تعرف تطورا مؤدى عنه، من منطلق أن التجارب الإنسانية، في الاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والسياسة، تصير في متناول أي تلميذ، قبل أن يتم ربط المدرسة الخصوصية، بالمجالات التنموية، حتى تتحول المدرسة الخصوصية، وخاصة في مستواها الجامعي، إلى مصدر لإعداد الأطر، التي يحتاج إليها المجتمع النامي، والمتقدم، والمتطور، والساعي إلى الوصول إلى المراتب السامية، على المستوى التعليمي، وعلى مستوى الانفتاح الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.
ونحن نعرف جيدا، مدى أهمية التعليم في حياة الشعوب، إلا أننا لا نفهم ما معنى أن لا تقوم المدرسة الخصوصية، التي يكون التعليم فيها بمقابل ما، يكون في متناول الطبقة الوسطى، وقد لا يكون في متناولها، بعدم الربط بين التعليم والتنمية. أما الكادحون، والأجراء، والعمال، فلا مجال للحديث عن القدرة على الأداء، مقابل تلقي البنات، والأبناء، للتعليم الخصوصي.
ومعلوم أن أبناء العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وفي ظل خوصصة التعليم، سيجدون أنفسهم عاجزين عن أداء واجبات التمدرس، بعد الانتهاء من مرحلة التعليم الأساسي؛ لأنه، ليس من حقها أن تحلم لأبنائها، وبناتها، بمستقبل مشرف، وأن تعمل على تحقيق مستقبل زاهر لهم، ولهن، حتى ينخرطوا، وينخرطن في مختلف مجالات الحياة.
والطبقة الوحيدة التي تستطيع أن تتحمل، نسبيا، مصاريف تدريس أبنائها، وبناتها، بعد البورجوازية، والإقطاع، والإقطاع الجديد، وبعد التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، هي الطبقة الوسطى، التي تدرك أهمية التعليم، وأهمية دوره في النهوض بالمجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، باعتباره وسيلة للترقي الاجتماعي؛ إلا أن هذه الطبقة، وبفعل الضربات التي تتوالى عليها، فإنها قد تصير عاجزة، مستقبلا، عن الأداء، وخاصة إذا ارتفعت رسومات الأداء عن التمدرس؛ لأن التعليم الخصوصي، قد يصير مخوصصا ابتدائيا / إعداديا / ثانويا / جامعيا. ولا بد أن يعجز بعض أفراد الطبقة الوسطى عن الأداء، في مرحلة معينة، كيفما كانت هذه المرحلة. فقد يتوقف ابتدائيا، وقد يتوقف إعداديا، وقد يتوقف تأهيليا، وقد يتوقف جامعيا، وفي جميع الحالات، فإن الطبقة الوسطى في المغرب، وفي غير المغرب، وفي ظل هذه الظروف القائمة الآن، في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، في طريقها إلى الانسحاق. فهي الطبقة الأكثر أداء للضرائب، وهي الطبقة التي تسحقها المحروقات، وقطع الغيار، وغلاء المعيشة، وارتفاع مستوى تدريس الأبناء، والبنات، وغير ذلك من متطلبات الحياة. بينما نجد أن مصدر الدخل، ثابت لا يزيد، ولا ينقص. وبالتالي: فإن شعار: (كم من حاجة قضيناها بتركها)، الذي لا يمكن أن يكون إلا إبداعا رجعيا، سيعود إلى التفعيل من جديد، بسبب الانسحاق الذي تتعرض له الطبقة الوسطى، إن عاجلا، أو آجلا.
والطبقة الوسطى، عندما تنسحق، فإن ذلك لا يعني إلا انعدام الرواج في المجتمع، فإن العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، لا يتبقى عندهم ما يقيمون به أودهم، ولا الطبقة الوسطى، تتوفر على السيولة اللازمة.
ولذلك، فلا يتبقى في المغرب إلا الإقطاع، والبورجوازية، والتحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، الذين جمعوا بين أيديهم كل ثروات المجتمع، وعلى المستوى الوطني. وهؤلاء غالبا ما يعيشون خارج الوطن، ويدرسون بناتهم وأبناءهم خارح الوطن، الذي لا يحضرون إليه إلا من أجل النهب، وتهريب ما نهبوه، إلى خارج الوطن، من أجل أن تعمل على استثمار ما تم نهبه في العيش الفاحش، وفي تدريس البنات، والأبناء، في أرفع المدارس، التي يصعب على الطبقة الوسطى إلحاق الأبناء، والبنات بها، وخارج الوطن، وبأثمان مضاعفة، مهمتها: هي جعل الحكومة وسيلة لممارسة الضغط على جماهير الطبقة الوسطى، أو التي كانت في حكم الطبقة الوسطى، أن تبيع كل ما تملك، من أجل أداء الديون المترتبة عليها، لصالح بورجوازية المدارس الخصوصية، أو التي تمت خوصصتها، حتى لا تتأثر الطبقة الوسطى، بفعل الديون التي تراكمت، وتتراكم عليها، لصالح البورجوازية الكبرى، أو بورجوازية التعليم الخصوصي.
ومعلوم أن خوصصة المدرسة العمومية، هجوم على جيوب الطبقة الوسطىـ في أفق القضاء عليها، لصالح التسريع بالنفخ في بورجوازية بيع خدمة التعليم، بأكثر مما تستحق، لأن هؤلاء المالكين للمدارس الخصوصية، يشغلون المدرسين، والمدرسات، بأبخس الأجور، وأقلها في السوق الرأسمالي، مقابل الاستفراد بعشرات الملايين كل شهر، تضاف إلى الحسابات الخاصة في الأبناك الداخلية، والخارجية.
ومعلوم أيضا أن هذه البورجوازية، التي تلقت، ولا زالت تتلقى الامتيازات من الدولة المغربية، التي أباحت ثروة الشعب لمثل هؤلاء، يستولون على أموال الشعب، وعلى الأموال الخاصة بالمواطنين، الذين لا يجدون إلا، ولا ذمة، في جيوبهم، لكون هذه الطبقة، كنست كل شيء منها، والتي تتصرف طبقا لما أصبحت تتمتع به من ثروات هائلة، فاقت كل الحدود.
وقد كان المفروض أن يكون هناك في مغربنا، قانون منظم للتدريس في المدارس الخصوصية، يكون رهن إشارة المواطنات، والمواطنين، والتلميذات، والتلاميذ، والأساتذة، والأستاذات، يتحدد فيه ما يدفعه الآباء، عن كل تلميذ، مما يتناسب مع دخل الأسر، ولا يعمل على إنهاكه، حتى يحافظ الآباء على امتلاك القدرة على الأداء، عن كل مستوى من المستويات التعليمية، ومن أجل أن يعرف كل أستاذ، ما يتقاضاه عن كل مستوى من المستويات، وسعيا إلى تحقيق عدالة الأجور، حتى لا تستبد بورجوازية التعليم الخصوصي بالمدرسة الخصوصية، ومن أجل أن ينال كل ذي حق حقه.
ومعلوم، كذلك، أن دولة الحق، والقانون، لا تترك المجال، هكذا، مفتوحا على المفاجئات، التي تجعل ملاك المدارس الخصوصية، يتآمرون على بنات، وأبناء الشعب المغربي، وأن يرفعوا من قيمة التدريس، في كل مستوى من المستويات، ودون حضور الوازع الإنساني، أو الوطني، وسعيا إلى حصول تراكم هائل، في الرأسمال الذي يفوق كل الحدود، ومن أجل أن يتجاوز بورجوازيو التعليم، ما هو وطني، من أجل الالتحاق بالرأسمال العالمي، والانتقال من المغرب، إلى أي دولة أخرى، مهما كانت هذه الدولة في أوروبا، أو في أمريكا، أو في آسيا، أو في إفريقيا؛ لأن المهم، هو أن يتم ضمان دخل أكثر ارتفاعا، وأداء أكثر جودة، حتى تصير المدرسة الخصوصية مقصدا للراغبين في تدريس أبنائهم، وبناتهم، من الإقطاع، والبورجوازية الكبرى، في كل مكان من العالم، أي تصبح المدارس الخصوصية المغربية عابرة للقارات، كما هو الشأن بالنسبة للرأسمال العالمي، الذي يمتد لكل شيء في هذا العالم، ما دام قابلا للاستغلال، وفي مقدمتها: تحول ذلك الرأسمال، إلى ديون في رقبة كل شعب من الشعوب، حتى تصير كل الشعوب منشغلة بخدمة الدين الخارجي، الذي يصير فيه تدريس الأبناء، والبنات في المدارس الخارجية، وسيلة من وسائل خدمة الدين الخارجي.
وإذا كانت المدرسة الخصوصية، تستنزف القدرات المادية للأسر، وبدعم من الدولة، التي لا تضع قانونا خاصا بذلك.
فإذا كانت هذه المدرسة الخصوصية، تتلقى مجموعة من الامتيازات، التي لا حدود لها، فإن هذه المدرسة، أصبحت تتواجد في محيط عاجز عن أداء تدريس البنات، والأبناء، ولو في المستويات الدنيا، التي لا تتجاوز دور الحضانة، أو المدارس الابتدائية. فما بالنا بالتعليم الثانوي الإعدادي، أو الثانوي التأهيلي، أو الجامعي، مما يجعل التعليم الخصوصي تعليما، مهمته هي تدريس أبناء البورجوازية، أو الإقطاع، أو التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، لتتحول الطبقات العليا من المجتمع، محتكرة السلطة، والثروة، والعلم، والمعرفة العلمية، حتى لا يبقى شيئا للشعب، ومن أجل أن يصير الشعب محروما من السلطة، ومن الثروة، ومن العلم، ومن المعرفة العلمية. وهو ما يترتب عنه: ضرورة تحرك الشعوب المحرومة، من أجل استرجاع ما ضاع منها على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي يجب أن تعود للشعب في المغرب، وفي كل البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين.
وحتى تنهض الشعوب، بعد أن تستيقظ من سباتها الطويل / العريض، لا بد من:
1) الوعي بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بهدف الحرص على فرص التمتع بهاـ كحقوق إنسانية، ترفع من شأن الإنسان، في المجال الذي يتحرك فيه في المغرب، أو في أي بلد من البلدان العربية، وفي باقي بلدان المسلمين.
والإنسان الفرد كباقي السكان، يعاني من الحيف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي. وهو ما يقتضي العمل على إزالة الحيف، مهما كانت درجته، وكيفما كان نوعه، أملا في تمتع الشعوب المقهورة، بكل الحقوق الإنسانية، وبحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
2) الوعي النقابي، الذي يقتضي قيام النقابات المبدئية، ببث الوعي النقابي، في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى يتمكنوا جميعا من الوعي بالذات، وبالأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي لها علاقة بحياة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يجب أن تستجيب الدولة لإرادتهم، حتى يطمئنوا على مستقبلهم، ومستقبل أبنائهم، وبناتهم.
3) بناء الوعي النقابي على أساس الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، حتى يدرك العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، أهمية امتلاك الوعي النقابي بالنسبة إليهم،ن خاصة، وأن النقابة تشتغل يوميا مع المعنيين بها، ويمكن أن تعمل على حل العديد من المشاكل في الحين، إلا أن الربط الجدلي، بين النضال النقابي، والنضال السياسي، يقتضي أن تناضل النقابة، من أجل فرض الاستجابة لجميع المطالب العمالية، ذات الطبيعة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، سواء كانت تلك المطالب مادية، أو معنوية.
4) بث الوعي السياسي، في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من منطلق: أن هذا النوع من الوعي، لا يمكن أن يكون إلا طبقيا. والوعي الطبقي، هو الذي يمكن العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من الوعي بالذات، وبالموقع من علاقات الإنتاج، وبالأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والبحث فيما يجب عمله، من أجل تقوية اليسار، وحزب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى يقوم اليسار، وحزب العمال بالخصوص، بما يجب، لنشر الوعي الطبقي في المجتمع، ولحشد الكادحين لصالح العمل على تغيير الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي، بدونه، لا يمكن أن ينقلب ميزان القوى لصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، كما لا يمكن أن تنتفي العبودية، ويتحقق التحرر، وأن ينتفي الاستبداد، وتتحقق الديمقراطية، وينتفي الاستغلال، وتتحقق العدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، في أفق تحقيق الدولة الاشتراكية، والتي تصير قادرة على حماية مكتسبات العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وتقوم ضد كل أشكال الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، التي يمكن أن تلحق كافة الأضرار بالمجتمع، والتي تقود، بالضرورة، إلى العودة إلى الاستغلال الطبقي، كما حصل في دولة الاتحاد السوفياتي السابقة.
فخوصصة التعليم، إذن، في المغرب، لا تهدف إلا إلى فسح المجال أمام الرأسمال التابع، والرأسمال العالمي، لكنس جيوب المواطنين، حتى لا يتبقى فيها ما يمكن أن يفيد في الحصول على قوته اليومي. وهذا معناه: أن الجحيم الذي يعيش فيه المغاربة، والمتمثل في ارتفاع أسعار جميع المواد الاستهلاكية، دون أن تعرف الأجور ،ولو مليما واحدا من الزيادة، بالإضافة إلى الغلاء الفاحش، لفواتير الماء، والكهرباء.
وإضافة فاتورة التعليم، في المدرسة العمومية (المخوصصة)، على الأسر، التي يقدر أبناؤها، وبناتها، بستة، تقريبا، لكل أسرة؛ فإن معنى ذلك: أن على الأسر أن لا تنجب الأبناء، والبنات، وأن على هذه الأسر، أن تقتصد في الأكل، وفي الشرب، وفي اللباس، وفي الفراش، وفي السكن، حتى توفر واجبات المدرسة التي تؤديها كل شهر، كما تؤدي فواتير الماء، والكهرباء، التي لا تزداد إلا ارتفاعا، وخاصة، إذا فكرت الأسر في الاقتصاد في استهلاك الماء، والكهرباء؛ لأن القيمين على ضبط الفواتير، يقدرون ما يشاءون على كل أسرة، ومهما كان دخل الأسرة هزيلا.
ويمكن إنشاء هيأة، في كل مؤسسة تعليمية، تقدر ما يؤديه كل تلميذ، انطلاقا من تقديرات داخل الأسر، حتى تصير المدرسة العمومية، مدرة للدخل، الذي لا نعرف أين يذهب، في الوقت الذي صرنا نعرف فيه أين يذهب الذهب، الذي يستخرج من باطن الأرض المغربية.
وعندما يتخرج أبناء، وبنات المدرسة، في أي مستوى من مستوياتها، سوف لا يجدون عملا، ويفضلون أن لا يتزوجوا، وأن لا يكون الزواج مدعاة لتحمل تكاليف المدرسة العمومية (المخوصصة)، التي تقرر جعلها وبالا على المجتمع.
فلماذا يقبل النظام المخزني على جعل المدرسة العمومية شبه مخوصصة في المغرب؟
أليست المدرسة المغربية للمغاربة، مهما كا جنسهم، أو لونهم، أو عقيدتهم، أو الطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها؟
لماذا يجعلون التعليم العمومي، في مستوياته المختلفة، تعليما طبقيا، كما هو الشأن بالنسبة للتعليم الخصوصي؟
أليس التعليم العمومي للشعب المغربي، الذي يؤدي الضرائب، التي لا حدود لها، من أجل إقامة المدارس، وتوظيف الأساتذة، وكافة الأطقم التي لها علاقة بذلك، من أجل تخريج ما يحتاج إليه أبناء، وبنات الشعب المغربي، من أطر في مستوياتهم المختلفة؟
وإذا كانت المدرسة العمومية، لا تدعي أنها تخدم مصلحة المخزن، ولا يمكنها أن تدعي ذلك، أليست السياسة التي تحكمها هي سياسة مخزنية بامتياز؟
وحتى تصير المدرسة العمومية مدرسة ديمقراطية شعبية، ألا يرى معي القارئ الكريم، والقارئة الكريمةـ أن الاختيارات التي يجب أن تتحكم في المدرسة العموميةـ هي الاختيارات الديمقراطية الشعبيةـ التي يجب أن تحل محل الاختيارات اللا ديمقراطيةـ واللا شعبية، ذات الطبيعة المخزنية، التي تخدم المدرسة العمومية الحالية مصلحتها؟
ألا نعتبر أن مهمة الجبهة الوطنية، للنضال من أجل حماية المدرسة العمومية، هو قلب ميزان القوى لصالح الشعب المغربي؟
فكيف ننتظر من الشعب المغربي، أن يكون شعبا مبدعا، في جميع المجالات، وهو محروم من الحق، حتى في تدريس بناته، وأبنائه، في المدرسة العمومية، ومن التقرير في البرامج الدراسية، وفي مستوى الأداء، وفي الإدارة التربوية، وفي المراقبة التربوية، وفي غير ذلك؟
يقول العرب القدامى: ((اشتدي أزمة تنفرجي))، وما وصلت إليه المدرسة العمومية يبين: إلى أي حد، تعقدت أزمتها، واشتدت، ولعل الدخول المدرسي في بداية كل سنة دراسية، سيضيف جديدا يجعلنا، لا نبالغ إذا قلنا: إن سياسة الطبقة الحاكمة، اقتضت بأن تصير المدرسة العمومية، خاصة، ببنات، وأبناء الأثرياء. أما بنات، وأبناء العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، فلا مكان لهم فيها، قياسا على المدرسة الخصوصية الخاصة بالطبقة البورجوازية، وبالتحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف.
فهل تلعب الجبهة الوطنية للنضال من أجل حماية المدرسة العمومية، دورا ما، لصالح بنات، وأبناء الشعب المغربي؟