هل هو استمرار لسيرورة الثورات العربية ؟ وهل يعتمد نفس الادوات التي استعملتها الحركات الاحتجاجية  في فترات الانتفاضات العربية السابقة ؟ والسؤال الاخير على نحن  أمام براديغم جديد للاحتجاج ؟.
     الحديث عن الجزائر لا يختلف كثيرا عن حديث الدول العربية  .  حيث الثروات الطبيعية والبشرية تسير وفق توازي مع الفساد الاداري والمالي، والنظام الاقتصادي ذات الطبيعية الريعية ، أما  من ناحية النظام السياسي، فهو نظام جمهوري على الورق اما الواقع لا يختلف عن الانظمة الملكية والاماراتية .

  في 22 فبراير 2019  انطلق حراك شعبي وملئ الساحات الكبرى في الجزائر رافضا للعهدة الخامسة. رفع المحتجون شعارات تطالب برحيل “بوتفليقة” الذي عمر كرسي الرئاسة ما يقارب ربع قرن .الى هنا كل شئ شبيه بما وقع في تونس وليبيا وغيرها ، لكن الاجابة عن السؤال الاول والذي يقارب هذا الحراك من الناحية السيرورية للانتفاضات العربية يستوجب الرجوع الى الادبيات  التي شخصت الثورات العربية . يتعلق الامر هنا ” بجلبير الاشقر” ، هذا الباحث اللبناني تنبأ بناء على دراسات مكثفة باستمرار الانتفاضات العربية وامتداد تأثيراتها على كافة البلدان التي تعيش نفس الاوضاع ، باعتبارها ثورات طويلة الامد ، وهي صيغ تتيح التوافق بين الطبيعة الثورية للحدث وعدم اكتماله .
    لكن لماذا لم تنتفض الجزائر إبان ما يسمى  الربيع العربي ، وخصوصا أنه انطلق من دول الجوار سيدي افني اكديم زيك ، تونس .. ؟. بدون لف ودوران سندحض الفرضية التي تقول أن أوضاع الجزائر كانت أفضل  من جيرانها ، معتمدين في ذلك لغة الارقام .
   فحسب تقرير التنمية الانسانية العربية 2016 ، صنف الجزائر من الدول الاكثر فساد من الناحية المالية والادارية  إضافة الى ان نظامها  الاقتصادي ريعي ،حيث توجد فجوات كبيرة بين الطبقات . أما تقرير التنمية البشرية الاخير فهو لا يختلف عن التقرير السابق في تحديد  حالة الجزائر .فرغم الثروات الهائلة، فالجزائر تحتل الرتبة 83 . اذن كلها شروط تستوجب الانتفاضة والمطالب بالتغيير ، الا أن الشعب الجزائري الزم السكون الى حين أعلن ” بوتفليقة” ترشحه للعهدة الخامسة وهو في حالة يشفق عليها .

    إن المستنتج الى حد الان يجعلنا نقر بأن الحراك الجزائري نوعي ويختلف كثيرا عما عرفته الساحات العربية من حراك خصوصا من الناحية السببية والمنطقية . نستشف من هنا ذكاء الشعب الجزائري المليئ بالتجارب في تأطير الحراك الشعبي وقطعه العهد في اللاعودة الى سنوات التسعنيات التي أودت بحياة المئات منهم .
ولتأكيد هذا الطرح والاجابة عن السؤال الثاني نستشهد بمجموعة من الادلة في اطار  مقارنة مع ما   كان في الربيع العربي الذي سرعان ما تحول الى خريف ، فأول من نبدأ به  هو الشعار الرسمي للحراك، فإذا كان شعار الانتفاضات  العربية هو “الشعب يريد”،و الذي الهم شعوبا مقهورة في الاقطار العربية  فإن شعار الانتفاضة الجزائرية هو ” لا للعهدة الخامسة “  الذي سرعان ما تحول اليوم في حدود كتابة هذه الاسطرالى  ” ترحلو كاع ” .
  اما النقطة الثانية التي يختلف بها هذا الحراك هو توقيت الاحتجاج ، فاذا كانت الثورات العربية السابقة عرفت اعتصامات ليلية ونهارية وتطورت الى أن وصلت عصيانا ميدانية  فحالة الجزائر تختلف تماما فللحراك وقت محدد زمنيا ، حيث يبدأ وراء كل صلاة جمعة ويمتد اربع ساعات على الاقل ثم يخمد الى اسبوع اخر ، وكل ذلك في شكل سلمي تخفتي فيه اساليب القمع والبلطجة .
فمن خلال هذه المقارنات لاشك أننا اما براديغم جديد للاحتجاج في الوطن العربي يشبه ما طرحه       ” تشالز تيلي” في كتابه الحركات الاجتماعية . فالحراك الجزائري يستند الى حد قريب الى هذا البراديغم بعناصره الثلاث الرئيسية والتي تتألف من ‘ الحملة ‘ باعتبارها مجهود مستدام ومنظم يملي مطالب جماعية ، فهذا بالطبع حاضر الى حد الان ، أما فيما يخص دخيرة الحركات الاحتجاجية فهي متوفرة أيضا عبر مجموعة من التوليفات الاجتماعية الممكنة  وتتشكل من محاماة واطر تعليمية وطلاب وأناس عاديون … ، أما الشرط الثالث فهو حاضر ويتجسد حضوره في عروض الوقفة وتوحد المشاركون في الجدارة والوحدة والالتزام . اما ما يعطي الشرعية لهذا البراديغم الجديد  هو الللاعنف ، وهذا ما ميز الحراك الجزائري  ،الى حد الان، لم نسمع بعد سقوط قتيل أو أعمال عنف .
   مستقبل الحراك :
  المتتبع للشأن الاقليمي لا يمكن أن يمر مرور الكرام أمام انتخابات “تركيا” والهزيمة التي تلقها حزب العدالة التنمية دون استنتاجات ، فإذا كان الحزب الاسلامي التركي يشكل الهاما لكل التيارات الاسلامية وخصوصا العربية ،  فإن الهزيمة لا بد أن تكون لها تأثيرات سلبية على الاسلام السياسي وتراجع شعبيته ، دون ان ننسى تجاربه الفاشلة في مصر وتونس وليبيا ، إضافة الى الهزائم التي تلقتها الحركات الجهادية في سوريا واخرها دحر “داعش” . كل هذه المتغيرات يمكن ان  تكون ايجابية خصوصا للحراك الجزائري في استبعاد فرضية إنقضاض الاسلام السياسي على مكتسبات الشعب واعادة تكرار التجارب السابقة ،حيث كان للاسلام السياسي اثر مباشرة في تخرييف الربيع العربي .اما الاشياء الاخرى فلا يمكن أن نتنبأ به وخصوصا أن الحراك يسير وفق مسارات مختلفة عما كانت عليه الانتفاضات العربية.