الأمازيغية في كتاب: "من أجل ثورة ثقافية بالمغرب"
(2/3)
آراء أخرى
2 ـ اختيار “ليركام”:
بعد ظهير أجدير بتاريخ 17 أكتوبر 2001، المؤسس للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الذي كانت إحدى مهامّه المنصوص عليها في الظهير المذكور، هي إعداد الحرف المناسب لكتابة الأمازيغية، كان جلّ نشطاء الحركة الأمازيغية ومثقفيها ينتظرون تبنّي مؤسسة “ليركام” الحرف اللاتيني كحرف رسمي لكتابة وتدريس الأمازيغية. لكن اختيار هذه المؤسسة لتيفيناغ، وهو الاختيار الذي سيرسّمه الملك بالمصادقة عليه، كان مخيّبا لانتظارات معظم النشطاء الأمازيغيين، الذين رأوا في هذا الاختيار “انقلابا” حقيقيا على اختيارات الحركة الأمازيغية، التي كان جلّ مناضليها وفصائلها يفضّلون الحرف اللاتيني. فماذا حدث؟ ولماذا هذا “الانقلاب”؟
إذا كان المختصّون واللسانيون وعلماء التربية يرون أن معايير اختيار الحرف المناسب لكتابة لغة ما، هي تلك المتعلقة بالجانب التقني والبيداغوجي، التي تراعي السهولة والبساطة في الاستعمال والقراءة والكتابة، فإن الأمر ليس كذلك عندما يكون اختيار هذا الحرف ليس شأنا علميا أكاديميا محضا، بل هو رهان سياسي أيضا لأنه اختيار للدولة، مع ما وراءها من جهات وقوى سياسية وحزبية لها وزنها وتأثيرها، قبل أن يكون اختيارا للعلماء والأكاديميين. وفي مسألة اختيار حرف كتابة الأمازيغية، كان هناك حضور قوي لهذه الجهات والقوى السياسية والحزبية، حتى أن الحزب “الإسلامي”، المعروف، هدّد بالنزول إلى الشارع إذا اختير الحرف اللاتيني. ولا شك أنه كان هناك ضغط، صريح أو ضمني، من طرف الدولة، على مسؤولي “ليركام” ليضغطوا بدورهم في اتجاه اختيار غير الحرف اللاتيني، تجنبا للصراع والمواجهة التي تنذر “معركة الحرف” أن تتسبّب فيها. وأمام هذا الواقع، السياسي والإيديولوجي وليس العلمي ولا الأكاديمي، سيتغيّر ترتيب الأولويات عند المدافعين عن الحرف اللاتيني داخل “ليركام”، وحتى عند خصومهم المطالبين بالحرف العربي خارج “ليركام”. فأصبحت الأولوية عند أعضاء “ليركام”، المنتمين للحركة الأمازيغية، ليس هي اختيار الحرف اللاتيني، بل هي استبعاد اختيار الحرف العربي، الذي كان التعريبيون، من قوميين وإسلاميين على الخصوص، يضغطون، سياسيا وإعلاميا، من أجل فرضه. كما أن الأولوية عند هؤلاء التعريبيين أنفسهم، لم تعد هي فرض اختيار الحرف العربي، بل هي استبعاد اختيار الحرف اللاتيني.
ومن السهل، بالنظر إلى الصراع السياسي والإيديولوجي الذي صاحب مسألة اختيار الحرف، تأويل اختيار تيفيناغ في النهاية على أنه كان حلا توفيقيا يرضي جميع الجهات التي كانت طرفا في هذا الصراع. بل يمكن القول إن الجهات المناوئة للأمازيغية اعتبرت هذا الاختيار انتصارا لموقفها المناوئ للأمازيغية. لماذا؟ لأنها اعتقدت، كما يعتقد بعض النشطاء الأمازيغيين المدافعين عن الحرف اللاتيتني، أن تيفيناغ هو مقبرة الأمازيغية ونهاية لها.
3 ـ اختيار سياسي لصالح الأمازيغية:
إذا كان إقرار حرف تيفيناغ من طرف “ليركام” يبدو، بسبب السياق السياسي الذي تم فيه هذا الإقرار، أنه اختيار سياسي كحل توفيقي لصالح جهات سياسية، بما فيها الدولة، كانت طرفا في “معركة الحرف”، فإن ما سيتبيّن، في ما بعد، هو أن هذا الاختيار هو اختيار سياسي حقا، ولكن لصالح الأمازيغية، وليس لصالح جهات أخرى. كيف ذلك؟
بعد ظهير أجدير بتاريخ 17 أكتوبر 2001، الذي كان اعترافا سياسيا رسميا من الدولة بالهوية واللغة الأمازيغيتين، ساد الاعتقاد في الأوساط الأمازيغية أنه، بعد هذا الاعتراف الثوري والتاريخي، لم يعد هناك داعٍ لاستمرار النضال والدفاع عن الأمازيغية كهوية وكقضية سياسية، إذ أن ما تحتاجه، اليوم، بعد أن انتقلت مما هو هوياتي وسياسي إلى ما هو ثقافي ولغوي، ليس مطالب ذات طبيعة هوياتية وسياسية، حسمت فيها الدولة واعترفت بها سياسيا ورسميا في ظهير أجدير، وإنما إجراءات ذات طبيعة تقنية وعلمية تجيب ليس عن سؤال “لماذا؟”، وإنما عن سؤال “كيف؟”، مثل: كيف نكتب الأمازيغية؟ كيف ندرّس الأمازيغية؟ كيف نحافظ على التراث الأمازيغي وننمّي الثقافة الأمازيغية؟…
لكن بعد مرور أكثر من خمس سنوات على صدور ظهير أجدير، سيتّضح أن ما أعلنت عنه الدولة من اعتراف بالأمازيغية وعزمها على تنميتها وتعميم تدريسها، كما جاء ذلك في الظهير المذكور، لم يُنجز منه إلا نزْر قليل لم يتعدّ حدود ما هو رمزي، مع إفشال مقصود لقرار تدريس الأمازيغية. وهو ما يترجم غياب إرادة سياسية، جدية وحقيقية، لنهوض جدي وحقيقي بالأمازيغية. الشيء الذي كان وراء انسحاب سبعة أعضاء من مجلس إدارة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية احتجاجا على هذا الغياب لإرادة سياسية جدية وحقيقية في التعامل مع الأمازيغية.
ما علاقة كل هذا بالحرف؟ علاقته هو أن غياب إرادة سياسية جدية وحقيقية لنهوض جدي وحقيقي بالأمازيغية، كما كتبت، يُرجع القضية الأمازيغية إلى ما كانت عليه قبل ظهير أجدير، أي كقضية سياسية في طبيعتها وحقيقتها. وهنا سيعي المناضلون الأمازيغيون أن الحرف اللاتيني، إذا كانوا يعتبرونه هو المناسب لغويا للأمازيغية كقضية لغوية وثقافية، فإن الحرف المناسب لها سياسيا وهوياتيا كقضية سياسية وهوياتية، هو حرفها التاريخي الأصيل تيفيناغ. لماذا؟ لأن استعماله هو وسيلة لإثبات واسترجاع الهوية الأمازيغية، وفي نفس الآن هو أداة سياسية للنضال السياسي من أجل الاعتراف السياسي الحقيقي بالأمازيغية كقضية سياسية وهوياتية قبل أن تكون قضية لغة وثقافة، كما خُدعنا بذلك عند تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.
وهذا ما يفسّر لماذا أصبح حرف تيفيناغ يُرعب التعريبيين المناوئين للأمازيغية، الذين كانوا يظنّون أنه سيشكّل مقبرة لها، حتى أنهم لم يجدوا من وسيلة لمحاربته إلا الافتراء أنه سبب تعثّر تدريس الأمازيغية، مع أن هذا التدريس لم يسبق أن شُرع فيه بعدُ بالجدية والشروط المطلوبين. أما الحقيقة، إذا ربطنا تعثر هذا التدريس بحرف تيفيناغ، فسيكون ذلك ليس فقط تعثّرا بل إفشالا مقصودا لهذا التدريس بهدف قطع الطريق أمام حرف تيفيناغ، الذي يمنح الأمازيغية استقلالا تاما ووحدة متكاملة، كهوية ولغة ورسم يرمز هو نفسه إلى هذه الهوية وهذه اللغة.
4 ـ تفوّق تيفيناغ على الحرف اللاتيني:
سبق أن قلت إن الدفاع، قبل ترسيم تيفنياغ، عن الحرف اللاتيني كحرف أفضل للأمازيغية، كان يعني أنه أفضل من الحرف العربي الذي كان مرشّحا هو كذلك لأن يكون حرفا لكتابة وتدريس الأمازيغية، وليس أفضل من تيفيناغ الذي كان خارج المقارنة والمنافسة، وخارج “المفكّر فيه” كحرف قد يُستعمل لتدريس الأمازيغية. أما بعد ترسيم تيفيناغ ثم تهيئته وإعداد أبجديته وأصبح بذلك جاهزا للاستعمال، فسيدخل إلى حلبة المنافسة والمقابلة بينه وبين الحرف اللاتيني، لإبراز محاسنه أو عيوبه مقارنة مع الحرف اللاتيني. فماذا تقول هذه المقارنة بين الحرفين؟
إذا كان صحيحا أن اختيار حرف تيفيناغ ذو علاقة بالهوية والوجدان، كما كتب الأستاذ أوريد، فإنه غير صحيح إطلاقا أن الحرف اللاتيني هو القادر وحده أن يجعل الأمازيغية لغة متطورة. مما يعني بمفهوم المخالفة أن الحرف الأمازيغي قد يكون عائقا لهذا التطور. وهذا غير صحيح. لماذا؟
لأن حرف تيفيناغ، إذا كان يتفوّق على الحرف اللاتيني في ما يخص الارتباط بالهوية والوجدان، فهو يتفوّق عليه أيضا تقنيا ويبداغوجيا. لن أحيل السيد أوريد، لإقناعه بذلك، على الدراسة التشخيصية التي أجراها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2010 بتنسيق مع وزارة التربية الوطني، والتي كشفت أن التلاميذ يتمكّنون بسهولة كبيرة، لا مجال لمقارنتها بالصعوبات التي تعترضهم في تعلّم قراءة وكتابة العربية والفرنسية، من تعلّم قراءة وكتابة الأمازيغية بحرف تيفيناغ. لن أحيله على هذه الدراسة لأنه مؤهّل لأن يقارن بنفسه بين تعلّم قراءة وكتابة الأمازيغية باستعمال الحرف اللاتيني وتعلّم ذلك باستعمال حرف تيفيناغ، ليخلص، وهو شيء ساطع لا يستطيع إنكاره شريطة أن يقارن بين الحرفين، ليس انطلاقا من حكمه المسبق أن الحرف اللاتيني حرف كوني تستعمله أشهر اللغات العالمية، وإنما بناء على خصائص كل من الحرفين في علاقتهما بسهولة أو صعوبة تعلّم قراءة وكتابة الأمازيغية بهذا الحرف أو ذاك، (ليخلص) إلى أن تعلّم قراءة وكتابة الأمازيغية بتيفيناغ أسهل وأبسط من استعمال الحرف اللاتيني، الذي يتطلّب تعلّمه واستعماله ضبط كتابته بصيغ أربع حسب ما إذا كانت الكتابة يدوية ومتصلة Cursive تُرسم حروفها بالشكلين الصغير أو الكبير Minuscule ou majuscule، أو كانت آلية تُرسم حروفها كذلك بالشكلين الصغير أو الكبير. قد تبدو هذه المسألة بسيطة بل “تافهة” بالنسبة للأستاذ أوريد وغيره من المدافعين عن الحرف اللاتيني، لأنهم متعلمون وراشدون اعتادوا على كتابة الحرف اللاتيني بأشكاله الأربعة دون أية صعوبة تُذكر. لكن بالنسبة للتلميذ، فإن ضبط تلك الأشكال الأربعة يتطلّب كلفة إضافية في الوقت والجهد، أي أنه يزيد من صعوبة تعلّم القراءة والكتابة بهذا الحرف. هذه الصعوبة لا يدركها ولا يعيها إلا من خبرها ميدانيا من معلمي اللغة الفرنسية مثل كاتب هذه السطور، الذي لا زال يتذكّر كيف كان تلاميذ المستوى الخامس (السنة النهائية للتعليم الابتدائي في النظام القديم)، وفي زمن كان فيه التعليم بالمغرب ناجحا ومتقدّما، يجدون صعوبة في قراءة وكتابة ـ على الخصوص ـ تلك الحروف بشكلها المطلوب حسب السياق، رغم أنهم درسوا الفرنسية لمدة ثلاث سنوات.
أما القول بأن الكتابة اليدوية المتصلة هي من بين ما يجعل الحرف اللاتيني متفوقا على حرف تيفيناغ، كما يكرّر مفضّلو الحرف الأول، فهو زعم أساسه حكمهم المسبق أن هذا الحرف كوني تستعمله أشهر اللغات العالمية، كما قلت. وهو ما يجعلهم ينظرون إلى كل ما يوجد في هذا الحرف ولا يوجد في تيفيناغ على أنه امتياز للأول على الثاني. مع أنه من الممكن، رسما وتقنيا، كتابة تيفيناغ بطريقة يدوية متصلة، كما يقترح بعض الباحثين. وهو ما أعارضه بشدة لأنه مجرد تقليد للحرف اللاتيني فرضته هيمنة وشهرة هذا الحرف دون أن تكون لذلك أية فائدة، كأن تجعل الكتابة أسهل وأبسط بتيفيناغ، أو أسرع كما يعتقدون.
يضاف إلى هذه الصعوبة المرتبطة بضبط أشكال أربعة لكتابة الحرف اللاتيني، الاستعمالُ الضروري، ولو على قلته، لعلامات تمييزية Diacritique ترسم فوق أو تحت السطر لتكييف الحرف اللاتيني المعدّل مع النظام الصوتي للغة الأمازيغية. وإذا كان يبدو لنا أن هذه العلامات لا تطرح مشكلا، وخصوصا أنها مستعملة عند لغات أخرى مثل التركية والمالطية، فليس الأمر كذلك بالنسبة للتلميذ الذي ستسبّب له التباسا وتشويشا في ضبط القواعد الإملائية لكتابتها، وحتى خلطا بين النطق بالحرف مقرونا بتلك العلامة والنطق به بلا علامة. وهذا ما يتطلّب كلفة إضافية في الوقت والجهد لتعلّم الكتابة بهذه الحروف بعلاماتها التمييزية. هذا دون الكلام عن الجانب الجمالي الذي يضحّي به هذا الاستعمال للعلامات التمييزية.
أما الحرف الأمازيغي فتعلّمه سهل وبسيط، تقنيا وبيداغوجيا. وعندما أقول “بيداغوجيا” فإني أعني بذلك استعماله لتعلّم الأمازيغية للطفل/ التلميذ الذي لا يعرف الكتابة بأية لغة ولا بأي حرف. لماذا هو سهل وبسيط؟ لأن كل رسم فيه يقابله صوت واحد، مما يجعل الكتابة صوتية Ecriture phonétique يطابق فيها المكتوب المنطوق، إلا في حالات قليلة معدودة يختلف فيها المكتوب عن المنطوق Ecriture phonologique لضرورة تفرضها قواعد النحو الأمازيغي.
هذه السهولة لتعلّم قراءة وكتابة الأمازيغية بحرف تيفيناغ لدى الصغار (التلاميذ)، هو ما يفسّر أن التلاميذ غير الناطقين بالأمازيغية لا يختلفون ـ كما لاحظ ذلك غالبية أساتذة اللغة الأمازيغية رغم ما أن تدريس الأمازيغية مشرع تم إفشاله ـ في قدراتهم على سهولة تعلّم الأمازيغية عن زملائهم الناطقين بالأمازيغية. بل الكثير من أساتذة الأمازيغية يؤكدون أن التلاميذ غير الناطقين يتفوّقون في الغالب على التلاميذ الناطقين بالأمازيغية.
وعلاقة بهذا التفوّق للتلاميذ غير الناطقين بالأمازيغية، أورد قصة واقعية، أبطالها لا زالوا أحياء يُرزقون، ملخصّها أن أحد الآباء حضر إلى مدرسة بطنجة فتحت بها أقسام لتدريس الأمازيغية، وأبلغ مديرها أنه لا يريد لابنه أن يدرس الأمازيغية وسوف لا يحضر حصصها، وطلب منه أن لا يسجّله متغيّبا، ولا أن يختبر في الأمازيغية، ولا أن يُحتسب ذلك ضمن النقط المحصّل عليها. لكن المدير أفهمه أن وزارة التربية قررت تدريس الأمازيغية مثل المواد الإجبارية الأخرى، وأن ابنه ملزم بذلك وإلا ستطبّق في حقه الإجراءات المعمول بها في مثل هذه الحالات. وفي آخر السنة سيتفاجأ ذاك الأب بأن ابنه نال النقطة الأعلى في مادة الأمازيغية، وهو ما ساهم في حصوله على معدّل نجاح مرتفع. إلا أن المفاجأة الكبرى كانت عندما حضر هذا الأب حفل آخر السنة الدراسية فتفرّج على عرض مسرحي بالأمازيغية لعب فيه ابنه دورا رئيسيا، متحدثا بالأمازيغية التي كان يكرهها أبوه ولا يريد أن يتعلّمها ابنه. وقد جعله تفوّق ابنه في الأمازيغية أن يغيّر نظرته إليها كما صارح بذلك مدير المؤسسة.
الخلاصة أن المدافعين عن خيار الحرف اللاتيني لا يستطيعون ـ وأنا أتحدّاهم أن يحاولوا ذلك ـ أن يثبتوا، علميا وتقنيا وتربويا وبيداغوجيا، أن هذا الحرف هو أفضل من تيفيناغ لتعلّم قراءة وكتابة الأمازيغية بالنسبة لتلميذ لم يسبق له أن تعلّم ولا استعمل لا الحرف اللاتيني ولا حرف تيفيناغ. وأشدّد على عبارة “تلميذ لم يسبق له أن تعلّم ولا استعمل لا الحرف اللاتيني ولا حرف تيفيناغ”، لإبراز أن المشكل ذو طبيعة بيداغوجية، بالمعنى الأصلي اليوناني لكلمة “بيداغوجيا” التي تحيل على الطفل، ولتأكيد أن مسألة الحرف الأفضل تخصّ تعليم الأمازيغية من البداية، أي عند الصغار الذين لا يعرفون القراءة ولا الكتابة بأي حرف، ولا علاقة لها إطلاقا بالكبار الذين تعلّموا سابقا استعمال الحرف اللاتيني.
إذا لم يستطع هؤلاء المدافعون عن الحرف اللاتيني لكتابة الأمازيغية إثباتَ تفوّقه على تيفيناغ، علميا وتقنيا وبيداغوجيا على الخصوص، فلماذا يستمرّون في الدعوة إلى مراجعة قرار كتابة الأمازيغية بتيفيناغ، وإلى استبداله بالحرف اللاتيني؟
لأن تفضيلهم للحرف اللاتيني على تيفيناغ يقوم، ليس على معطيات علمية وتقنية وبيداغوجية، كما قلت، وإنما يقوم على تصوّر عامّي، منتشر عند الكثير من المثقفين الناطقين بالأمازيغية. هو تصوّر عامّي لأن المدافعين عنه ينطلقون من معاينة أن الحرف اللاتيني هو الحرف الذي تُكتب به اللغات الراقية والمتطوّرة، المنتجة للعلم والمعرفة والتقنية، مثل الإنجليزية والألمانية والفرنسية…، فيستنتجون من ذلك، بناء على منطق تماثلي وظاهري فيه غير قليل من التبسيط والسذاجة، أن استعماله لكتابة وتدريس الأمازيغية سيوفّر لها شروطا أفضل للتطور والارتقاء، مثلما وفّر تلك الشروط لتلك اللغات المتطورة بفضل استعمالها لهذا الحرف اللاتيني، كما يعتقدون. مع أنه يكفي أن نستشهد بمستوى التقدم الاقتصادي والعلمي والمعرفي الكبير لدول لا تستعمل لغاتُها الحرف اللاتيني، مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية، لتبيان أن الحرف اللاتيني ليس شرطا ملازما بالضرورة للتقدّم والعلم والتطور.
النتيجة أنه إذا كان حرف تيفيناغ يساهم في تعلّم التلميذ قراءة وكتابة الأمازيغية بطريقة أسهل وأبسط وأسرع من الحرف اللاتيني، ويرمز في نفس الوقت إلى الهوية واللغة الأمازيغيتين، ويعبّر في نفس الآن عن المظهر السياسي للأمازيغية كقضية سياسية، فإن الدعوة إلى استبداله بالحرف اللاتيني، رغم كل امتيازاته عن هذا الأخير، ستكون نوعا من الحذلقة والتعالم، بداعي الإحساس، لدى أصحاب هذه الدعوة، أنهم منخرطون حقا في الحداثة ومسايرون فعلا لروح العصر.
5 ـ هل يشكّل تيفيناغ «حاجزا نفسيا»؟
(يُتبع)