يجب أن نسمي القط قطا” هكذا يقول مثل فرنسي. منذ خمس سنوات و حزب العدالة والتنمية يقصفنا بالاستعمال المبالغ فيه الى حد التخمة لمصطلح “التحكم” دون أن يقول لنا بالتحديد المعنى الحقيقي للتحكم في النظام السياسي المغربي، لكن حزب بنكيران يستعمل التحكم في معظم الحالات لغاية تضليلية لإخفاء المعنى الحقيقي لمصطلح “التحكم” في نظام سياسي سلطوي المهيمن الحقيقي فيه هو الملك.

في معظم الحالات فالبيجيدي يستعمل “التحكم” للإشارة الى منافسه السياسي حزب الاصالة والمعاصرة ومن يدور في فلكه من فاعلين غير حزبيين و معه جزء من النخبة الاقتصادية و وسائل الاعلام التي تروج لخطاب مخالف لخطاب حزب العدالة والتنمية، في حالات أخرى يتم وصف وزارة الداخلية بمحور التحكم رغم ان الاخيرة جزء من الحكومة التي يرأسها بنكيران و رغم أن السيد رئيس لا يكف عن تذكيرنا في مناسبات عدة أن وزير الداخلية يتشاور معه أو أنه يقول لحصاد بأن يفعل كذا أو يترك كذا و الأمثلة كثيرة لا يسع المجال لذكرها كلها. لكن الصحيح أن البام و البيجيدي و الداخلية و باقي النخب الحزبية و غير الحزبية تبقى مجرد آلية بيد الملكية للهيمنة و ضبط المشهد الحزبي و السياسي و الاقتصادي في المغرب.

ما يخفيه بنكيران و حزبه خوفا و طمعا في التقرب من المؤسسة الملكية أن “التحكم” و الهيمنة جزء من   الصفات المحددة لماهية النظام الملكي في المغرب، فالتحكم لا يوجد خارج الملكية بل داخلها فهي التي تأمر و تنهى و هي التي تمنح للبعض و تبخل عن الآخرين و هي كذلك من يعفو و أيضا من يغضب و يعاقب متى شاء لها ذلك.

لتوضيح مختلف المغالطات التي يروج لها حزب العدالة و التنمية منذ ما يقارب الخمس سنوات بخصوص مفهوم التحكم و التي سيتم طبعا ستغلالها في الحملة الانتخابية التي انطلقت اليوم، أقول أنه كان لازما التوضيح ما المقصود علميا من مفهوم “التحكم” أو الهيمنة.

في حقل مقارنة الأنظمة السلطوية تعددت تقسيمات أو تصنيفات هذه النظم بتعدد المنهجيات المتعبة في التصنيف، الغرض هنا ليس الخوض في النقاش الأكاديمي حول ماهية و أهمية تصنيف الأنظمة السلطوية و إنما الغرض هو توضيح بعض المفاهيم المهمة و التي ستساعدنا على فهم المقصود من الهيمنة أو ما يسميه البيجيدي “بالتحكم”.

كما هو معروف فإن الأنظمة السلطوية أنظمة هجينة Hybrid Regines أو مختلطة Mixed و هذا يعني أنها من جهة تتوفر على مؤسسات الديمقراطية الشكلية من انتخابات و برلمان و حكومة  و غيرها، لكن من جهة اخرى فإن هذه الأنظمة تفرغ تلك المؤسسات من فاعليتها حيث تظل في اغلب الأحيان شكلية لان مراكز القرار السياسي توجد خارج سلطة المؤسسات المنتخبة. 

في هذا الاطار و لفهم بنية النظام السلطوي يجب التمييز نوعين من المؤسسات.

الاولى و هي المؤسسات التمثيلية و في هذه لن نطيل الكلام كثيرا لان ما يهمنا هو النوع الثاني. المؤسسات التمثيلية هي مجرد تنازل شكلي من النظام السلطوي لإعطاء الانطباع بوجود تعدد مجتمعية و أن هناك تمثيلية شعبية. 

الثانية تسمى مؤسسات الهيمنة و هي من اليات الاكراه السلطوي الهدف من إحداثها خلق نوع من الضبط و التوجيه و كذلك التعاون بين مختلف مراكز السلطة السياسية في النظام السلطوي. هذا النوع من المؤسسات هو جوهر النظام السياسي و يضم صنفين مهمين:

المؤسسات القمعية: الغاية منها هي هيكلة استعمال الدولة السياسي للعنف، و يدخل في هذا الاطار المؤسسات الأمنية و أجهزة المخابرات بكل اشكالها. و هنا يجب الاعتراف ان دور هذه المؤسسات شهد تراجعا نوعا ما في السنوات الاخيرة نظرا لان القمع اصبح اكثر تكلفة و مضر بصورة النظام و عكس ذلك يتم التركيز على ارشاء النخب. 

المؤسسات الاقتصادية: و يتمثل دورها في تسهيل العلاقة بين الدولة و الاقتصاد من أجل تسهيل الحصول على الموارد اللازمة لتسيير الدولة. في هذا الاطار هناك من تحدث عن مفهوم الدولة المفترسة Predatory State و هذا النوع من الدول سماه فوكوياما(2011)  State as Criminal Organisation اي حين تشبه الدولة في اشتغالها منطق التنظيمات الاجرامية و هذا الوصف كما هو متعارف عليه لدى الباحثين يدل على ان الدول التي تدخل في هذا التصنيف تشتغل وفق  مبدأ أساسي وهو ان مختلف موارد الدولة تكون في خدمة النظام و من يدور في فلكه من نخب. 

أحد أهم أسباب  هذه “السيبة السلطوية” إن صح التعبير أي اشتغال الدولة بنمط التنظيمات الاجرامية يعود في جوهره الى غياب سيادة القانون Rule of Law و هذا المبدأ يعتبر احد الركائز الاساسية للدولة الديمقراطية. اما الجانب الثاني و هو كذلك مهم فيتعلق بغياب أي معنى للمحاسبة السياسية Political  Accountability في هذا النوع من الدول، لان مراكز القرار لا تخضع لسلطة صناديق الاقتراع.