المغرب / إفريقيا : الانعطافة الكبرى
تمهيد :
آراء أخرى
منذ أزيد من 10 سنوات، بدأت نظرة العالم إلى “إفريقيا” تتغير تدريجيا. في الأدبيات الجيوسياسية تكاد تختفي “كليشيهات”: القارة المتخلفة، أو السائرة في طريق النمو، أرض الاستغلال و النهب.. وحلت محلها صور “القارة الصاعدة”، “الواعدة”، “الجذابة”. بل تحولت إلى ساحة تنافس حاد للقوى الدولية التقليدية والمنبثقة حديثا.. ويمكن القول إن كل قوة اقتصادية تتسابق اليوم لعقد قمة أو منتدى إفريقي خاص بها، مثل “التيكاد” الياباني، أو “الفوكاك” الصيني، أو “الكاوفيك” الكوري-الجنوبي، أو “الإيافس” الهندي، ناهيك عن “تجمعات” القوى الكولونيالية المعروفة..
ويعزى هذا التحول إلى الديناميكية التي انخرطت فيها القارة السمراء منذ مطلع الألفية الثالثة، ففي 2015 وصلت نسبة النمو فيها إلى 5,2 في المائة (ضعف ما حققته الولايات المتحدة الأمريكية)، حسب “البنك الإفريقي للتنمية”. وفي 2014 استقبلت 54 مليار دولار من الاستثمارات الخارجية المباشرة (نصفها صيني). ويساهم تدفق هذه الأموال في تنويع مصادر النمو بها، بحيث لم تعد يرتكز على القطاع المنجمي والنفطي فقط، بل على نسيج صناعي وخدماتي فعال تحفزه طبقة متوسطة شابة جد نشيطة.
هذا النمو الإفريقي الشامل تقوده بعض الدول المتميز اقتصادها بالحيوية والأداء الجيد. مثل “إثيوبيا” التي بلغت نسبة النمو بها 9,7 في المائة سنة 2013 (8,5 في المائة خلال 2016-2015) وهي الآن في طور تبوء الصدارة جهويا في مجال إنتاج الكهرباء، بفضل الاستثمارات في الطاقات المتجددة. كما أن اقتصادها يستفيد من ترحيل هائل للصناعات والخدمات. أو “غانا” حيث فاقت نسبة النمو 13 في المائة في 2011 (7,3 في المائة في 2013 ). وساعد اكتشاف حقول النفط ومناجم الذهب، بالإضافة إلى “الكاكاو”، في تقوية قدراتها التصديرية. في شمال القارة، يطمح “المغرب” إلى أن يصبح قوة جهوية، وغالبا ما يقدم كنموذج ناجح للنمو. منذ توليه حكم البلاد (صيف 1999) قام الملك “محمد السادس” بجولات ديبلوماسية عديدة وطويلة إلى إفريقيا جنوب الصحراء (آخرها في شرق القارة، خريف 2016) وقع خلالها الكثير من اتفاقيات الشراكة الثنائية المعززة لتموقع بلده القاري. وبخلاف “الجزائر” (الغنية بالنفط والغاز)، يحظى المغرب بصورة البلد المستقر، السائر بيقين في طريق التحديث والدمقرطة. وتساهم علاقاته القوية “بأوربا” في جعله بلدا جذابا..
في هذا المقال سأحاول شرح غايات وأشكال السباق المحموم نحو “إفريقيا”، لاسيما من طرف القوى العالمية الصاعدة، وبطريقة غير مباشرة التموقع المغربي/الإفريقي، مبرزا فيه عناصر القطيعة والاستمرارية، وذلك ضمن سلسة طويلة من العلاقات (روحية، سياسية، اقتصادية)، الضاربة جذورها في عمق التاريخ.
***
الصين :
تعتبر العلاقات “الصينية-الإفريقية” محْرارا للأمل المعقود تحقيقه من العودة إلى القارة السمراء. فقد أصبحت “الصين” أول مستثمر فيها، إذ بلغ حجم استثمارتها ضعف نظيراتها الأمريكية. وفي قمة “منتدى التعاون الصيني ــ الإفريقي” (“جوهانسبيرغ”، ديسمبر 2015 ) قررت الصين منح 60 مليار دولار من المساعدات المالية، منها 5 مليارات من القروض بدون فائدة، و35 مليار من القروض بفوائد تفضيلية، وقرض خاص لتمويل المقاولات المتوسطة الإفريقية. همت، كلها، 10 مشاريع، تشمل جميع المجالات، من الفلاحة حتى الأمن، وهي تفوق 4 مرات ما تم الإعلان عنه في المؤتمر السابق ( 2012 ). وخلال 15 سنة الأخيرة، تضاعفت المبادلات بين “الصين” و”إفريقيا” 30 مرة، أي أنها تضاعفت سنة بعد أخرى. لكن من أجل أ ية سياسة ؟ تشاركية أم استغلالية ؟ ثم إذا كانت الأرباح الإقتصادية سهلة الفهم بالأرقام، فماذا عن الأرباح الديبلوماسية ؟
قبل الإجابة عن هذه الأسئلة، يجب العودة قليلا إلى التاريخ. فعلاقة “الصين” بإفريقيا قديمة ويمكن تقسيمها إلى 3 مراحل:
-مرحلة سيادة الإيديولوجيا : مع دعم حركات التحرر الوطنية الإفريقية ( من الـ50 إلى حدود الـ70 ). وتعتبر “مصر” أول الدول الإفريقية المعترفة “بالصين” (1956). وبفضل أصوات “إفريقيا”، حازت “الصين” على مقعد العضو الدائم بمجلس الأمن الدولي (1971).
– مرحلة الانسحاب الصيني من إفريقيا (من “الـ70” إلى “الـ90”) : مع استدعاء السفراء الصينيين بعد “الثورة الثقافية” (1966) ، وما تلاه من إصلاحات “دانج”، ابتداء من 1978..
-مرحلة العودة إلى إفريقيا : مع نهاية “الـ80 “، إذ ستشهد “الصين” سلسلة من الإصلاحات الجذرية، حيث سيتم وضع شراكات استراتيجية مع “إفريقيا” وغيرها من المناطق الأسيوية. هكذا، في بداية “الـ90 “، ستُنشأ “اكزيم بانك” ( 1994) و”بنك الصين للتنمية” وغيرهما من الأذوات الاستثمارية المالية والسياسية، مما سيؤذي إلى قلب ” باراديغم” سياسياتها الخارجية رأسا على عقب، في مطلع “الـ2000″، مع أول “فوكاك” (أكتوبر 2000 )..
اليوم، تحاول “الصين” الاستفادة من إرث “المرحلة الإيديولوجية” حيث كانت “إفريقيا” بمثابة القوة الحليفة لها، لا سيما مع إعادة تشكل النظام الجيوسياسي الدولي (بعد نهاية الحرب الباردة) وبروز فاعلين أفارقة جدد ينظرون إلى آفاق أخرى، غير التبعية لكل من “موسكو” و”واشنطن”، ويحاولون تجريب نماذج مغايرة. بالإضافة إلى تحول مكانة “إفريقيا” في العلاقات الدولية إلى “المصاف الاستراتيجي”، (في “مجلس الأمن” التابع لهيئة “الأمم المتحدة”)..
ورغم كون مشكل “إفريقيا” كان دوما في مدى قابلية النموذج الصيني للتطبيق (الاشتراكية بخصوصية صينية)، إلا أن ذلك لم يمنع “الصين” من تكثيف تحركها في القارة السمراء خاصة في الشق المالي. ويمكن التمييز فيه بين “الدعم الموجه للتنمية” والاستثمارات المباشرة بهدف التجارة. مثلا، الـ60 مليارا الممنوحة (المذكورة أعلاه) هي في غالبيتها قروض شرائية. ويوجد في قلب هذه الاستراتيجية المالية/التجارية “اكزيم بانك”. فما يهم الحكومة الصينية هو إيجاد منافذ تسويقية لمنتوجاتها المصنعة وتصريف الفائض منها..
وتبقى العلاقات الصينية/الإفريقية غير متوازنة، وضعيفة قياسا بما تستثمره في مناطق أخرى من العالم. وتنحصر في مجموعة واحدة من المنتوجات المعدنية (“منغنيز”، “حديد”، “نحاس”، “خشب”، أو “نفط”، إلخ.) مقابل بيع المنتوجات المصنعة، مما يجعل بعض الدول الإفريقية في وضع التبعية والهشاشة، وبالتالي عدم القدرة على تحديد التدابير وفرض الشروط لصالح تنميتها الخاصة بها. فهي تبحث عن التمويلات التي تجدها لدى “الصين”، والأخيرة تحقق مصالح استراتيجية تكمن في تأمين بعض المواد الأولية التي تحتاجها، وليس لخلق نمو اقتصادي إفريقي حقيقي داخلي وشامل. إنها علاقة تظل إذن داخلة في إطار النموذج “النيوليبرالي” التقليدي.
هناك دول إفريقية صاعدة تتبنى سياسية إستباقية لجلب الاستثمارات، مثل “الكوت ديفوار” (ساحل العاج) التي ترجع علاقاتها مع “الصين” إلى “الـ60 ” من القرن الماضي (فترة “هوفيت بواني”). في دجنبر 2013 وقعت الدولتان معاهدة للتعاون تروم تطوير وتكثيف وتسريع التجارة بينهما. وتمثل الاستثمارات المباشرة الصينية في هذا البلد 28 بالمائة. كما تتواجد به أكثر من 30 شركة صينية ذات الرأسمال العمومي، وقرابة 100 شركة أنشأها، محليا، المهاجرون الصينيون (بقانون “إيفواري”). مما يمنح “ساحل العاج” موقعا خاصا، يتميز بحدة المبادلات التجارية، لدرجة صارت واجهة “للصين” في إفريقيا الغربية “الفرنكوفونية”. وتلعب “نيجيريا” (وجزئيا “غانا”) نفس الدور فيما يخص الجزء “الأنجلوفوني” من إفريقيا. لهذا تسعى “الصين” دوما إلى المحافظة على علاقاتها مع حكومات “ساحل العاج” المختلفة (“باكبو”، “واتارا”). وتوضح البنيات التحتية الهائلة المشيدة من طرف “الصين” (سدود ضخمة، طرق سيارة، مركبات رياضية، إلخ) اهتمامها الكبير بهذا البلد..
لكنها لا تبحث عن شراكات فحسب (فهي الشريك التجاري الثالث)، بل تحاول التقرب من بعض “التمثيليات الديبلوماسية” بجعل “ساحل العاج” مركزا “ديبلوماسيا” لها. وهي بصدد إسقاط حاجز اللغة عن طريق إقامة معاهد “كونفوشيوس” لتقريب “الصين”، ثقافيا، من البلدان الإفريقية (30 معهدا). وتمثل “سال العاج” بالنسبة لها منارة للإشعاع في كامل “إفريقيا الفرنكوفونية”. تكشف العلاقة مع “ساحل العاج” منهجية “الصين” في التحرك : التموقع بغية تمويل برامج ومشاريع عابرة للبلدان وللجهات. من هنا اهتمامها بالمجموعات الإقتصادية الجهوية الكبرى (شرق/غرب/وسط/ شمال إفريقيا..) والبحث فيها عن بعض الأقطاب.. فحضورها اللافت في “نيجيريا” (إفريقيا الأنجلوفونية) يمكنها من اللعب على المنافسة مع غرب “إفريقيا الفرنكوفونية” (“ساحل العاج”). ونفس الطريقة تتبعها في “جيبوتي” (“شرق إفريقيا”). كما أنها تبسط سيطرتها على السوق الإفريقية معتمدة على دعم جاليتها المهاجرة المستقرة في القارة منذ مدة طويلة..
يجب التمييز، في العلاقات الصينية/الإفريقية، بين الطموحات الاقتصادية والرهانات السياسية. لإبقاء التوازن بينهما، تتبنى “الصين” سياسة “التطوير في إطار الاستمرارية” : مما يمكنها من تتجنب الأخطاء، وتصحيح مواقفها الملتبسة في “مجلس الأمن” (“بيافرا”، ودعم “اليونيتا”، و”الانبيا”، “والسودان”، و”تشاد”..). مثلا، بسبب تذبذبها خلال الأزمة الليبية (2011 )، فقدت “الصين” كل استثمارتها الضخمة في هذا البلد. حينها فهمت أن ثمة قوى (“فرنسا”، “إنجلترا”، “أمريكا”..) أفضل معرفة وتجذرا منها في الميدان وأنه من الصعب عليها فرض سياساتها. وأن مؤسسات الدول الاستعمارية القديمة المنتشرة في ربوع القارة، ما تزال قوية التأثير (مثل “المعاهد الفرنسية”..).
سياسة “التطوير” في ظل الاستمرارية هذه تظل ثابتة لدى “الصين”. فالفرق واضح بين “المبادئ الخمسة للتعايش السلمي” التي سنها “هو جينتاو” (2003) و”الحلم الصيني” الذي بشر به “شي جينبينغ” (2012). حكومة “هو جينتاو” تفاعلية وأما حكومة “شي” فاستباقية. من بين مؤشرات “التطوير”، اليوم، توظيف استثماراتها ذات الرأس المال العمومي باستراتيجيات خاصة.. لكن ثمة كوابح ما تزال تحد من سياساتها، ومنها تمثل بعض الأفارقة الذهني “للصين” المبني على “القطيعة” (كتوجه “اتيوبيا”)، بحيث ينتظرون منها تبني مواقف مغايرة للقوى الغربية (أزمة “ليبيا”، مثلا). كما أن “النموذج الصيني” يبقى عرضة للانتقاد من طرف الرأي العام الدولي (دعم نظام “موغابي”، “موبوتو”، حركة “بيافرا”، إلخ )، مما يحول دون التقريب بينها وبعض دول إفريقيا… وعلاقاتها مع “جنوب-افريقيا”، ليست دوما على ما يرام (تصريحات “زوما” حول النسيج الصيني)، رغم كون الأخيرة تستحود على ربع استثمارات “الصين” في إفريقيا..
فما هي الأرباح الديلوماسية التي جنتها “الصين” من علاقتها “بإفريقيا” خلال الـ20 سنة الماضية ؟ يمكن القول أنها عززت هيبتها الدولية وهي اليوم أكثر قوة في المجال الاقتصادي. على المستوى السياسي تبدو تحركاتها متعددة الأشكال ومتذبذبة. ويبقى من الصعب تلخيص العلاقات الصينية/الإفريقية، لأننا أيضا أمام مجموعة من الدول المتعددة، لها حساباتها السياسية الخاصة. وبالتالي “فالصين” تراقب بحذر شديد الخريطة الجيوسياسية الداخلية للقارة الإفريقية، المعقدة والمتحركة.
– الهند :
خلال الـ15 سنة الأخيرة، انتقلت المبادلات بين “إفريقيا” و”الهند” من 3 الى 75 مليار دولار. وتعود أول قمة إفريقية/هندية إلى 2008. وفي آخر قمة لهما (أكتوبر 2015 ) أعلنت “الهند” عن منح 10 مليار دولار من القروض على مدى 5 سنوات، أي ضعف ما منحته في قمة “أديس أبابا” ( 2011 )، وكذلك 500 مليون دولار كمساعدات و50 ألف منحة دراسية للطلبة الأفارقة، إلخ. وتستورد “الهند” جزء هاما (15 في المائة) من حاجياتها من البترول من “إفريقيا”، لا سيما من “نيجيريا”. كما أنها تستثمر بكثافة في مجال “الهيدروكربونات”، مثلا في “الصومال” و”الموزنبيق”، حيث ثم اكتشاف احتياطات هائلة من الغاز والنفط. ويعتبر التعاون بين “الكونغو” و”الهند” الأكثر نشاطا، إذ تقوم ببناء السدود الكبرى وهي بنيات عملاقة و تستقبل 4600 طالب “كونغولي” في معاهدها…
خلافا “للصين”، ليس “للهند” “عقيدة تدخلية”، بحكم اختلاف نظامها السياسي (ديموقراطية). وغالبا ما تتحرك لمواكبة الإستثمارات الخاصة. أي أن سياساتها العمومية موجهة لخدمة الخواص. وأما علاقاتها السياسية مع “إفريقيا” فتعود إلى فترة الكفاح الوطني من أجل استقلال العالم الثالث (“نهرو”)، إذ كانت حركات التحرر الهندية-الإفريقية جد متضامنة. وما تزال الهند (بتنسيق لافت مع “البنغلاديش” و”الباكستان”) ترسل فرقا عسكرية أممية لحفظ السلم في “إفريقيا”. والتواجد الهندي في “افريقيا” حاضر وإن كان غير بارز، فالجزء الشرقي من “إفريقيا” يضم جالية هندية مهمة، تلعب دور الحاضنة لاستثمارات بلدها الأصلي في المنطقة.
***
اليابان :
تكاد “اليابان” تشبه “الصين” في علاقاتها “بإفريقيا”. فهي تابعة لها من حيث المعادن والموارد الطاقية ( بترول وغاز الطبيعي وخشب، ..إلخ). كما أن التعاون بينهما قديم، يعود إلى 24 سنة خلت. يتجلى اهتمام “اليابان” بإفريقيا في انتظام انعقاد قمم التعاون الثنائية (“تيكاد”)، إذ التأمت الأولى في “طوكيو” عام 1993، والأخيرة في “كينيا” (غشت 2016 )- لكن مقارنة “بالصين”، تبدو “اليابان” متأخرة فيما يخص الاستثمارات. ففي 2009، كانت “الصين” الشريك الأول لإفريقيا بـ13.5 في المائة من حجم مبادلاتها الخارجية، بينما لا تتعدى 2.7 في المائة بالنسبة “لليابان”. ووفق أرقام “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية”(2011), تقل استثماراتها 7 مرات عن نظيراتها الصينية، مع ضعف دائم في توطين شركاتها (بسبب جبن الرأسمال الياباني). في 2015 ومن إجمالي مبادلات “اليابان”، تمثل صادراتها نحو “إفريقيا” 1,9 في المائة منها ووارداتها 2,3 في المائة. ولحدود الآن، تظل علاقات “اليابان” بإفريقيا منحصرة في المساعدات الإنمائية العمومية (بطلة العالم فيها)، بخلاف “الصين” التي مرت منذ البداية إلى الاستثمارات المباشرة. وحسب تقرير لمكتب “لينكليترز” ( 2015)، بلغ مجموع المساعدات العمومية الآتية من آسيا 4.2 مليار دولار، منها 3,5 مليار دولار وفرتها “اليابان”( 3 أضعاف ما تقدمه الصين”). والفرق بين الدولتين في مجال التعاون الإفريقي يتمثل في استهداف “اليابان” بعض البلدان ذات التأثير الاقتصادي/السياسي القوي، جهويا (مثل “نيجيريا”، “كينيا”، “غانا”، “مصر” و”السينغال”…)، لأنها تبحث عن مقعد دائم في “مجلس الأمن” عبر الأصوات المطالبة بإصلاح “هيئة الامم”، وغالبيتها من “إفريقيا”..
ومنذ 1989 بدأت “اليابان” في تنويع وجهاتها، وإيلاء أهمية كبيرة لإفريقيا الغربية “الفرنكوفونية”.. ومؤخرا في تغيير سياستها الإفريقية : تخفيض المساعدات العمومية الإنمائية، وخلق إعانات مالية مخصصة للشركات المتوجهة لإفريقيا. في 2014 بلغت استثمارات “اليابان” المباشرة في “إفريقيا” قرابة 1.5 مليار دولار (تستحود “جنوب افريقيا” و”مصر” على 85 في المائة منها) من بين 120 مليارا تقريبا في باقي العالم ( أي بنسبة 1,2 في المائة). وخلال جولته القارية (يناير 2014، شملت “ساحل العاج”، “إتيوبيا”، “الموزنبيق” ) تعهد رئيس وزراء “اليابان” (“شينزو آبي”) بتخصيص أكثر من 14 مليارا دولارا “لإفريقيا” كمساعدات و صفقات تجارية.. ومن بين أهم القطاعات التي تسثمر فيها اليابان: المعادن، السيارات، النفط والبنيات التحتية.
***
روسيا :
ما يطبع العلاقات الروسية/الإفريقية، عموما، هو ضعف الحضور و انحصارها أساسا في الميدان المنجمي و الأمني (بيع الأسلحة). فبعد 20 سنة على انهيار “الإتحاد السوفياتي”، و تجميد اتفاقيات التعاون الدولي، عادت “موسكو” للإهتمام بالقارة السوداء. و عقب جولة “ميدفيديف” الإفريقية (“مصر”، “ناميبيا”، “انغولا”) عام 2009، و هي بمثابة انطلاق تلك العودة، ثم الإعلان عن إلغاء 20 مليار دولار (من بين 25 مليار دولار) من ديون “إفريقيا” اتجاه “الإتحاد السوفياتي” سالفا ( سبقتها، في نفس الإطار، زيارة “بوتين” لكل من “المغرب” و “ج-إ”، عام 2006 ). بيد أنها عودة تريدها “روسيا ” مختلفة عما كان سائدا زمن “الحرب الباردة”. أي ليس كقوة عظمى حامية جوسياسيا لبعض الأنظمة، بل بصفتها مستثمرة حلت متأخرة مقارنة “بالصين” و “الهند”، مثلا. في 2013 قفز حجم التبادل الروسي/ الإفريقي إلى 5 مليار دولار (مقابل 200 مليارا دولار “للصين” ). الجديد، أيضا، في العودة الروسية : محاولة ربط علاقات مع بلدان إفريقيا الغربية، دائما و أساسا، من المدخل المنجمي و الأمني. و قد أصبحت المجموعات المنجمية و الطاقية الكبرى الروسية حاضرة في الواجهة الأطلسية لإفريقيا. في “غينيا”، مثلا، تستغل أكبر منجم” للبوكسيت” في العالم، كما تجذبها الثروات المنجمية الهائلة (الذهب، النفط، إلخ) في كل من” بوركينا فاسو” و “مالي” و “ساحل العاج” و”غانا”، إلخ. و تسعى إلى تطوير علاقاتها مع شركاءها الأساسيين في “شمال إفريقيا” (“مصر”، “المغرب”…) و “إفريقيا الساحلية” (منتدى الأعمال الروسي-الافريقي : “أديس أبابا” – 2011 ) و “إفريقيا الوسطى”. في 2014 ، أبرمت مع “زيمبابوي” اتفاقيات قدرت ب 4 مليار دولار، تضم استغلال أكبر منجم” للبلاتين” على وجه الأرض. و اتفاقيات مع “الموزنبيق” و” أنغولا” لإستغلال حقول النفط و الغاز الطبيعي. و في “ناميبيا” تستغل منجما “لليورانيوم” و في “ج-إ” مناجم “المنغنيز”، الخ. لكن العلاقة الأمثن هي مع “ج-إ- في 2013 وقعت معها سلسلة من الإتفاقيات في مجال في الطاقة و الموارد المعدنية. و في 2014 أعلنت “روزاتوم” اتفاقا استراتيجيا طويل الأمد يروم إنشاء 8 مفاعلات نووية في “ج-إ” حتى 2030 ، بمبلغ 10 مليار دولار.
ويعتبر القطاع النووي الروسي الأكثر نشاطا في التصدير، و هو رأس الحربة في تعاونها الديبلوماسي و الأمني. نلاحظه ذلك مع “مصر” حيث قررت “روسيا” بناء أول محطة نووية و أبرمت معها عدة اتفاقيات. و تعتمد على مدرستها الديبلوماسية العربية الشهيرة (إرث “الإتحاد السوفياتي”) لجعل “مصر” بابا (مفتاحا) للعودة إلى “إفريقيا” (بخلاف “اوربا”، لا تفرق”موسكو” بين المنطقة العربية و منطقة “الساحل الإفريقي”). غير أن التواجد العسكري الروسي في “افريقيا” يبقى ضعيفا ( مقارنة مع “الصين” : 3000 جندي منتشر في “إفريقيا” لحفظ السلم).
كما تحاول “روسيا” تنويع مخاطبيها (“إفريقيا الفرنكوفونية”) و إحياء مواقعها في “افريقيا” كتاجرة سلاح ( تتعاون مع 15 دولة في هذا المجال) لكن “القارة السوداء” لا تمثل سوى 2 % من مجموع صادراتها العسكرية، بينما تحتل المنطقة الرتبة 9 عالميا في مجال “الإنفاق” على التسليح. و خلال 2013-2014 وقعت 25 اتفاقية ب 1,7 مليار دولار ( دول “شمال افريقيا” من أهم زبائنها، خاصة “مصر”، و “الجزائر”). و في 2013 أمضت مع “انغولا” على اتفاقية ب 1 مليار دولار…
ومن وجهة النظر الإفريقية تعتبر “روسيا” مدخلا لمكافحة الارهاب و انتشار الأسلحة. بل أضحت في العشرية الثانية من حكم “بوتين” دولة قوية و مغرية، تعطي لنفسها حق الخروج عن الإجماع الدولي. مما يجعلها في منظار كثير من الدول الإفريقية بمثابة “ديبلوماسية اللجوء”، لمواجهة الضغط السياسي (الغربي) أو ثقل “الصين” الاقتصادي، لكن الشركات الروسية لا تجرؤ على المغامرة في”إفريقيا”. على المستوى الجيوسياسي، لا تضع “روسيا” إفريقيا ضمن أسبقياتها (كما “الشرق الاوسط” و “بلدان الإتحاد السوفياتي” سابقا) و غالبا ما تظهر “موسكو” موقفا غير تدخلي، مكتفية “بمصر” و “ج-إ” كجسور لها في “إفريقيا”.