يبدو أننا كل يوم، بهذا الوطن، نقترب أكثر من الهاوية، ويبدو أنه كلما تقدمنا نحو الأمام إلا وازدادت الظلمة حلكة ..من كان يتوقع أنه في مغرب 2017 ستموت 16 امرأة من أجل الخبز.. من يصدق أن المغرب الذي أطلق قمرا صناعيا قبل أيام هو نفسه المغرب الذي تموت فيه النساء من أجل الدقيق والسكر؟ من يُصدق أن المغرب الذي احتضن كوب 22، المغرب المرشح لتنظيم كأس العالم 2026 ..هو نفس البلد الذي يموت ويعتقل فيه المواطنون من أجل الخبز والماء ؟…   

ما حدث بنواحي الصويرة لم يكن صادما قط، ما حدث هو فقط تعرية لحقيقتنا البئيسة التي حاولت الدولة أن تخفيها لسنوات، أقصد حقيقتنا كبلد يوجد في القاع و تحاول الدولة أن تخدعنا بالقول أنه يوجد في القمة..فأن تموت 16 امرأة تدافعا من أجل الحصول على بعض الكيلوغرامات من الدقيق يعني أننا نتواجد في القاع و أن كل مخططات التنمية التي تبنتها الحكومات المتعاقبة مجرد در للرماد في العيون، فليس أكثر بؤسا من وطن يموت فيه المواطن من أجل الخبز..

حادث التدافع هذا، والموت بهذه الطريقة المهينة يذكرنا ولاشك بطريقة موت محسن فكري، الذي كان الشرارة الأولى التي أيقظت نار الاحتجاجات بمنطقة الريف، والتي كانت سببا مباشرا في إسقاط رؤوس كثيرة لوزراء ومسؤولين كبار. والواضح أنها ستُسقط مزيدا من الرؤوس بعد التصريحات الخطيرة التي خرج بها أحد محامي المعتقلين ،السيد إسحاق شارية، التي قال فيها أن إلياس العماري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، ورئيس جهة طنجة تطوان حاول التنسيق مع ناصر الزفزافي، زعيم حراك الريف، من أجل تأجيج الأوضاع بالمنطقة بل وربما من أجل التآمر ضد الملك…تصريحات المحامي شارية و إن لم يؤكدها الزفزافي ورفاقه المعتقلين إلا أنها فتحت نافذة جديدة أمام المحققين لتوسيع مجال بحثهم، الأمر الذي سيمكنهم من الوقوف على تجاوزات كبار المسؤولين الذين قد يكون من بينهم السيد إلياس العماري الذي لا يُمكن لأحد أن ينفي دوره الغامض في التأثير على مجرى الحراك ربما لصالح الدولة وربما ضدها..

المفروض في الدولة أن تتجنب فتح جبهات جديدة ضدها و أن تعمل على حسم الملف الأكثر شائكية خلال تاريخها الداخلي المعاصر، فملف حراك الريف كلما تأخر حله إلا واقتربت النار أكثر من مركز صانعي القرار..وإذا ما نحن أضفنا له ملف ما حدث بالصويرة وقبله ملف ما حدث بزاكورة(معتقلو العطش) سنفهم أن الدولة تخاطر بمستقبل بلد بأكمله خاصة في ظل الواقع الاقتصادي المتأزم..

المفروض في الدولة أيضا ألا تراهن كثيرا على نقط الضوء القليلة التي توحد جميع المغاربة، كما حصل مؤخرا بتأهل المنتخب المغربي لنهائيات كأس العالم بروسيا 2018…فهذه الأحداث العابرة والمحدودة التأثير زمانيا لا يمكن لها أن تكون ستارا حاجبا للواقع البئيس، ولا يمكنها أيضا أن تخفي حقيقة من نكون..فتأهلنا لكأس العالم لا يعني حتى أننا بلد ناجح في سياسته الرياضية بقدر ما يعني أننا في بداية طريق قد يكون ناجحا..ولكنه لن يكون مادام المواطن يموت من أجل الخبز، وما دام الذي يطالب بجامعة يوجد في السجن، ومادام الذي يريد ماء ليشرب يوجد في السجن…